قال عمر - رضي الله عنه –((الشتاء غنيمة العابدين))
وقال ابن مسعود: ((مرحباً بالشتاء؛ تتنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام)).
ومن درر كلام الحسن البصري: ((نِعْم زمان المؤمن الشتاء؛ ليله طويل يقومه، ونهاره قصير يصومه))، ولذا بكى المجتهدون على التفريط - إن فرطوا - في ليالي الشتاء بعدم القيام، وفي نهاره بعدم الصيام.
ورحم الله معاذاً حيث قال: ((لولا ثلاث: ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ولذاذة التهجد بكتاب الله ما باليت أن أكون يعسوباً)).
وإنما كان الشتاءُ ربيعَ المؤمن؛ لأنه يرتع فيه في بساتين الطاعات، ويسرح في ميادين العبادات، وينزه قلبه في رياض الأعمال الميَسَّرة فيه، ويصبر المؤمن في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة، ولا كلفة تحل به من جوع ولا عطش،
وكان أبو هريرة - رضي الله تعالى عنه – يقول: (( ألا أدلكم على الغنيمة الباردة؟ قالوا: بلى. فيقول: الصيام في الشتاء)).
وقيام ليل الشتاء يسير؛ لطوله فيمكن للنفس أن تأخذ حظها من النوم، ثم تقوم بعد ذلك إلى الصلاة؛
قال ابن رجب - رحمه الله -: "قيام ليل الشتاء يعدل صيام نهار الصيف"، ومن فضائل الشتاء أنه يُذكِّر بزمهرير جهنم، ويوجب الاستعاذة منها.
ذكر ابن رجب في حديث أبي هريرة، وأبي سعيد - رضي الله عنهما - عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إذا كان يوم شديد البرد فإذا قال العبد: لا إله إلا الله ما أشد برد هذا اليوم، اللهم أجرني من زمهرير جهنم، قال الله تعالى لجهنم: إن عبداً من عبادي استجار بي من زمهريرك وإني أشهدك أني قد أجرته، قالوا: وما زمهرير جهنم؟ قال: بيت يلقى فيه الكفار فيتميز من شدة برده)).
وفي الحديث عند الشيخين وغيرهما عن النبي – صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((اشتكت النار إلى ربها؛ فقالت: يا رب، أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف؛ فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير))، ورُوي عن ابن عباس قال: ((يستغيث أهل النار من الحر؛ فيغاثوا بريح باردة يصدع العظامَ بردُها؛ فيسألوا الحر ويستغيثوا بحر جهنم))[1] .
هذا خبر من قبلنا، أما خبر أهل زماننا؛ فنسأل الله أن يصلح الأحوال؛ تضييع للفرائض والواجبات، واجتراء على حدود رب الأرض والسموات، وسهر على ما يغضب الله، ويُظْلِم القلب، ويطفئ نور الإيمان.
فيا إخوتي، جدّوا في طلب مرضاة الرحمن في ليال الشتاء الطوال وفي غيرها، وأكثروا من صيام نهاره؛ فقد قال – صلى الله عليه وسلم –: (( الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة)) رواه أحمد وحسنه الألباني إنها لغنيمة فأين المشمرون المخلصون؟![2]
قال الخطابي: الغنيمة الباردة أي السهلة؛ لأن حرة العطش لا تنال الصائم فيه.
قال ابن رجب: معنى أنها غنيمة باردة: أنها حصلت بغير قتال، ولا تعب، ولا مشقة؛ فصاحبها يحوز هذه الغنيمة عفواً صفواً بغير كلفة.
فحري بك اقتناص هذه الغنيمة، لاسيما في الأيام الفاضلة مثل الاثنين والخميس، أو الأيام البيض ونحو ذلك.
وصية عمر الشتوية:
كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إذا حضر الشتاء تعاهدهم وكتب لهم بالوصية: إن الشتاء قد حضر، وهو عدو فتأهبوا له أهبته من الصوف، والخفاف، والجوارب، واتخذوا الصوف شعارًا - وهي ما يلي البدن - ودثارًا - الملابس الخارجية - فإن البرد عدو سريع دخوله بعيد خروجه، ومن كلام يحيى بن معاذ: الليل طويل فلا تقصره بمنامك، والإسلام نقي فلا تدنسه بآثامك. وعن عبيد بن عمير - رحمه الله - أنه كان إذا جاء الشتاء قال: "يا أهل القرآن طال ليلكم طويل لقراءتكم فاقرؤوا، وقصر النهار لصيامكم فصوموا".